أدلة في ذم الكبر والعجب :
وإليك أخي الكريم هذه الأحاديث الصحيحة عن ذم الكِبر والعُجب كي تتجنبها وتحذرمنها :
1ـ عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظٍ مستكبر ] ( متفق عليه ) .
العتل : الغليظ الجافي ، الجواظ : الضخم المختال في مشيته .
2ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ احتجت الجنة والنار فقالت النار : فيّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة : فيّ ضعفاء الناس ومساكينهم ، فقضى الله بينهما : أنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء ، وأنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما عليّ ملؤها ] ( مسلم ) .
فالكبر طريق ممهد ، ومسلك سهل إلى النار ، فأين الراغبون في الجنان .
3ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ قال الله عز وجل : العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعني عذبته ] ( مسلم ) .
فصفة العزة والكبرياء لله عز وجل فمن نازع الله في صفة من صفاته أدخله النار والله ليس بظالم له ، بل ذلك المتكبر هو الظالم لنفسه .
4ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه ، مُرجّل رأسه ( أي ممشطه ) يختال في مشيته إذ خسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها ( يغوص وينزل فيها ) إلى يوم القيامة ] ( متفق عليه ) ، فهذا عذابه في القبر إلى أن تقوم الساعة .
فهل بعد كل هذا سيتكبر المتكبرون ، ويتجبر المتجبرون ، أم هل سيختال المختالون ، فالحذر الحذر عباد الله من هذه الصفات الشنيعة الدنيئة .
وما أجمل التواضع لله ولعباد الله ، فهو أساس الرفعة والعلو في الدنيا والآخرة ، وقد أمر الله عباده بالتواضع ولين الجانب لبعضهم البعض وعدم التكبر أو الترفع ، فقال جل جلاله : [ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ] ( الشعراء215 ) ، وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد } ( مسلم ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله } ( مسلم ) ، وعن أنس رضي الله عنه أنه مر بصبيان فسلم عليهم وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . ( متفق عليه ) . فمن الناس اليوم من لا يسلم على الأطفال ولا يداعبهم ولا يلاطفهم ، فالناس فيهم ما بين متكبر وجاهل بهذا الفعل النبوي الكريم.
أنواع التواضع :
1- ومن أنواع التواضع ، التواضع مع نعم الله عز وجل فبالشكر تدوم النعم ، فعن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث قال : وقال : { إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان } وأمر أن تسلت القصعة قال : { فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة } ( مسلم ) .
2- ومن صور التواضع وأنواعه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، قال أصحابه : وأنت ؟ فقال : { نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة } ( البخاري ).
3- وحال الدعوة إلى الوليمة اليوم حال تسخط منها النفوس ويخاف منها الإصابة بجائحة تبدل هذه النعم إلى نقم ، وتحول الغنى إلى فقر ، فالوليمة اليوم لا يُدعى إليها إلا الأغنياء والرؤساء ومن لديهم المصالح المشتركة أما الفقراء والمساكين فلا يجوز أن يُدعوا إليها وهذا والله من الجهل المركب لدى كثير من الناس ، فبئس طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء ، بل هل يُنصر الناس ويُرزقون إلا بضعفائهم وفقرائهم ، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومما يجعل العقول منذهلة مستغربة مستنكرة أن البعض لا يرضى بالدعوة إلا إذا كان فيها أصناف الطعام وألوانه ، وأشكاله وأطايبه ، فإن لم يكن ذلك موجوداً ما أعار تلك الدعوة اهتماماً ولا أقام لها وزناً ولا قدراً ، وهذا من ضعف اليقين وقلة الدين ، والتكبر والغرور على نعم الله وعباد الله ، فأين أولئك من قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت } ( البخاري ) ، فانظر إلى المعلم الأول صلوات ربي وسلامه عليه كيف يسطر لأمته هذا الأدب الرائع مع نعم الله وعدم ازدرائها أو احتقارها ، وكيف يعلم الأمة الأدب في إجابة الدعوة وصدق الله إذ يقول : [ وضرب الله قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ] ( النحل 112 ) .
هذا هو التواضع لله ولعباد الله ولنعم الله ما اتصف بها عبد من عباد الرحمن إلا زاده الله بها رفعة وعزاً في الدنيا والآخرة .
سادساً : الكذب :
داء عظيم وخطير ، ابتلى به البعض ، داء تفاقم وتعاظم في هذا الزمان ، فنسأل الله السلامة والأمان ، وهو مرض أشبه بالميكروب المستوطن في البيئة الإنسانية ، فقلما يخلو منه إنسان ، ندر أن تتنظف منه بيئة ، ويصعب عليك أن تجد طائفة من طوائف البشر تنزهت عن الكذب وتبرأت منه .
وما من حق ضائع ، ولا فقير جائع ، ولا ظلم باطش ، ولا اعتداء جائر ، إلا وله ثوب من الكذب يتلفلف به .
قال تعالى : [ إن الله لا يهدي من مسرف كذاب ] ( غافر 28 ) ، وقال تعالى : [ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ] ( الزمر 60 ) ، وقال عز وجل : [ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بالله وأولئك هم الكاذبون ] ( النحل 105 ) .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى . قال : قلت : سبحان الله ما هذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق . . . قال : قلت لهما : فإني قد رأيت الليلة عجباً ، فما هذا الذي رأيت ؟ قال : قالا لي : أما إنّا سنخبرك : وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق . . . } ( البخاري ومسلم ) ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه } ( الصحيحة وهو حسن ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : { ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له } ( ابوداود والترمذي والنسائي والبيهقي ) .
وعلى النقيض من الكذب امتدح الله جل وعلا أهل الصدق ، وحث العباد على هذه الصفة الحميدة التي هي من خصال الفطرة ، ومن صفات أهل هذا الدين الحنيف دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره من الأديان ، فقال جل من قائل سبحانه : [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ] ( التوبة 119 ) ، وقال تعالى : [ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ] ( مريم 54 ) ، ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الصدق ، وبين لهم أن الصدق من أسباب النجاة عند الله وأنه من الأسباب التي يسعد العبد بها عند لقاء ربه سبحانه لأنه من أسباب دخول الجنة ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة . . } ( البخاري ومسلم ) .
أسباب الكذب :
وللكذب أسباب تنم عن جهل أصحابها ، وقلة حلية مستعمليها لبعدهم عن الله تعالى وتماديهم في الغي والظلال ، ومن أسبابه :
1- ضعف الوازع الديني لدى أولئك الكذابين .
2- جهل أولئك الكذابين بعواقب الكذب الوخيمة .
3- الهوى والشهوات .
4- التقليد الأعمى من البعض
5- إيذاء الناس وإلحاق الضرر بهم .
6- الحصول على غرض دنيوي .
7- الخوف من أمر ما .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لأن يضعني الصدق ، وقلما يضع ، أحب إلي من أن يرفعني الكذب ، وقلما يفعل ) ، وقال الإمام أحمد رحمه الله : ( الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ) .
مضار الكذب :
1- الكذب وسيلة لدمار صاحبه .
2- الكذب يؤدي بصاحبه إلى النار .
3- الكذب سراب يقرب البعيد ويبعد القريب .
4- الكذب يذهب المروءة والحياء .
5- الكاذب مهان ذليل لخسة ما يقول .
6- الأمم التي كذبت الرسل لاقت مصيرها من الدمار والهلاك .
7- يورث فساد الدين والدنيا .
8- دليل على خسة النفس ودناءتها .
9- احتقار الناس للكذاب وبعدهم عنه .
10- يمقت نفسه بنفسه ويحتقرها .
وقد نسي أولئك الكذابون أن هناك عذاب وعقاب أخروي لهم ، الكذب مرض تفشى وانتشر في كثير من المجتمعات ، وهو صفة من صفات أهل النفاق الذين هم أهل النار ، قال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } ( النساء145 ) ، وقال تعالى : { ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين } ( آل عمران 61 ) ، فمن لعنه الله تعالى فقد طرده وأبعده من رحمته وذلك هو الخسران المبين ، فلا تستسهل الكذب وتنسى عواقبه ، فعواقبه وخيمة ، والكذب داء عضال من تميز وعُرف به كرهه الناس وأبغضوه ، ونبذوه واعتزلوه ، ولو صدق بعد ذلك فغالب أمره الكذب فهو غير صدوق وغير موثوق بكلامه ، وإذا تكلم وقال ، لم يرغ له أحداً سمعه ، ولم يعره اهتمامه ، فالكذاب عالة وحملاً ثقيلاً على أهله وعشيرته ومجتمعه يمقته الصغير والكبير وإذا قدم للشهادة يرفضه القضاة إذا عرف لديهم بالكذب ، يعيش وحيداً غريباً ، ينفر منه الناس ، لا يرغب في صحبته وصداقته الآخرون ، فهو منبوذ ومكروه .
فالأمر خطير وعظيم ، والعاقبة وخيمة ، فينبغي للمسلم أن يحذر هذه الصفة الشنيعة والفظيعة التي قد تنقله من دائرة المسلمين إلى المنافقين .
فالمسلم إذا قال صدق ، عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : [ إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ] ( متفق عليه ) ، فالواجب علينا جميعاً تحري الصدق والابتعاد عن الكذب حتى ولو كان الإنسان مازحاً ، فتجد أن كثيراً من الأباء والأمهات قد يعد أولاده بهدية أو غيرها ثم لا يفي بهذا الوعد ، فهذا لا ينبغي ، بل كن قدوة حسنة لأبنائك فهم يقلدونك في كل ما تفعل وتقول ، فلا يخرج من فيك إلا أطيب الكلام وأحسنه ، واصدق في كل ما تقول ، كذلك المعلمين والمعلمات من وعد طلابه وتلاميذه بأمر فليوف بهذا الأمر لأنه في مكان ينظر إليه جميع التلاميذ بأنه القدوة والأسوة الحسنة لهم .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن ، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ] ( متفق عليه ) ، يقول النووي رحمه الله تعالى : ( اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال . . . . . إلى أن قال : ( واستدل العلماء على جواز الكذب بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ] ( متفق عليه ) ، وزاد مسلم في رواية : [ قالت أم كلثوم : ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس إلا في ثلاث : تعني : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ] .
فمن كذب في الأمور الثلاثة فهذا ليس من الكذب المذموم ، فالكذب المذموم هو الذي تحصل منه مضرة ، وأشد الكذب عقوبة الكذب على الله تعالى ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن أشد الكذب أيضاً اليمين الكاذبة عمداً ، وهي : أن يحلف ويغلظ في الحلف والأيمان من أجل عرض من أعراض الدنيا وهو كاذب ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ] فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ، قال : وإن كان قضيباً من أراك ] ( مسلم ) ، فانظر عاقبة الكذب من أجل أمر حقير من أمور الدنيا ، فقد أوجب الله له النار يوم القيامة وحرم عليه الجنة .
فليتنبه لذلك أصحاب العقول وأولوا الألباب ، فالله الله أيها المسلمون اتقوا الكذب واحذروا عاقبته ، وعليكم بما عند الله تعالى وتنافسوا من أجل ذلك النعيم الذي لا يحول ولا يزول .
سابعاً : التجسس :
التجسس : هو البحث عن عورات المسلمين وتتبعها من أجل معايبتهم ، وقال بن الأثير : التجسس : التفتيش عن بواطن الأمور واكثر ما يقال في الشر ، وقال الكفوي : التجسس : هو السؤال عن العورات من غيره ، وقيل : أن التجسس : هو أن تتبع عيب أخيك فتطلع على سره وهو محرم بالكتاب والسنة ، لأن تتبع عيوب الناس مؤذٍ لصاحبه لأنه يريد إخفاء هذا العيب عن الناس وستره عنهم قال تعالى : { ولا تجسسوا } ( الحجرات12 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تناجشوا ، وكونوا عباد الله إخواناً ] ( متفق عليه ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ففي الآية والحديث النهي عن التجسس وتتبع عورات المسلمين ، فبعض من الناس تجده لاهم له إلا معرفة ما يدور بين الناس وما يحدث داخل بيوتهم ، وهذا هو ديدنه في هذه الحياة تتبع العورات وكلام الناس في كل مجلس ، وفي كل مجتمع ، فهو يتطلع إلى معرفة ما يدور من كلام وحوار بين أي شخصين ، وهذا من التطفل ، وقلة العقل ، وضعف الوازع الديني .
عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع الله عورته ، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته } ( أبوداود وقال الألباني حسن صحيح ) .
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إنّا قد نهينا عن التجسس . وعن بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى [ ولا تجسسوا ] ( الحجرات 12 ) ، قال : نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن . وقال الأوزاعي رحمه الله : التجسس : البحث عن الشيء ، والتحسس : الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون ، أو يتسمع على أبوابهم .
وقال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى : [ وفيكم سماعون لهم ] ( التوبة 47 ) ، أي : وفيكم مخبرون لهم يؤدّون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس .
أضرار التجسس :
وللتجسس مضار عديدة نذكر منها :
1- دليل ضعف الإيمان وفساد الخلق .
2- دليل دناءة النفس وخستها .
3- يوغر الصدور ويورث الفجور .
4- يورد صاحبه موارد الهلاك .
5- يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات .
6- يستحق صاحبه غضب الله ورسوله والمؤمنين .
7- يعيش صاحبه بمعزل عن الناس لحذرهم منه .
8- من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله .
9- يورد الكراهية والبغضاء والشحناء بين الناس .
فمن تتبع عورات الناس تتبع الله عورته حتى يفضحه ، ثم سيتتبع الناس عورته حتى يوردوه المهالك ، ويفضحوه ولو في عقر داره ـ فكما تدين تدان ـ فاتق الله يامن بليت نفسك وأهلكتها بتجسسك وتتبعك وتقفيك لعورات الناس وكلامهم وأفعالهم ، اتق الله الذي يراك أينما كنت ، اتق الله الذي يسمع ويرى ، فالتجسس صفة قبيحة ، ومرض من أمراض القلوب ، وداء عضال ينبغي على المسلم تركه والإبتعاد عنه ، وذلك بأن لا يفتش عن عورات المسلمين ، ولا يتتبعها ، بل ينبغي ترك المسلم على حاله ، ويستعمل التغافل عن زلاته وأخطائه التي إذا فتش وبحث عنها ظهر منها مالا ينبغي ، فاتق الله أخي الكريم ودع الخلق للخالق سبحانه ، طهر قلبك وجوارحك من هذه الصفة الذميمة والبضاعة المزجاة والرخيصة .
ثامناً : الشك وسوء الظن :
داء خطير ومرض آخر من أمراض القلوب ، ابتلي به البعض من الناس ، فما إن تقول له كلمة أو تعمل عملاً إلا وبدأ الشك يساوره وسوء الظن يداخله فيما قلت وعملت ـ فلا حول ولا قوة إلا بالله ـ وكان ينبغي عليه أن يتأكد ويمحص الأمر حتى يرى ما الدافع لذلك القول والفعل ، بل كان من الواجب عليه أن يُحسن الظن بإخوانه المسلمين ، فلا يُسئ الظن إلا إذا تبين له ذلك ، فبعض الناس ما إن ينقل له أن فلاناً من الناس قال كذا وكذا حتى يسئ الظن ويشك في ذلك القول ، والله تعالى يقول : { ياأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ( الحجرات6 ) ، يقول بن سعدي في تفسير هذه الآية : [ وهذه أيضاً من الآداب التي ينبغي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبأ ، أي خبر ، أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجرداً ، فإن في ذلك خطراً كبيراً ، ووقوعاً في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل ، حُكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق ، بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة ، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق التثبت والتبين ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث } ( البخاري ومسلم ) ، أراد الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم به ، وقيل : أراد إياكم وسوء الظن .
فأحسن الظن بالناس ، يُحسن الناس الظن بك ، فينبغي لمن سمع قولاً مثلاً فلم يستطع تفسيره أو تحليله ، ينبغي عليه ألا يُسيء الظن بل يذهب إلى القائل ويقول : يا أخي لقد قلت ذلك القول فماذا تقصد به ، حتى يتبين الأمر .
مساوئ سوء الظن :
فسوء الظن قد يجر إلى عواقب وخيمة ومساوئ عديدة منها :
1- العداوة والبغضاء والشحناء بين الناس .
2- قد يجر الإنسان إلى ماهو أشد منه من غيبة أو نميمة أو كذب من أجل الإضرار بالآخرين.
3- المقاطعة والكراهية .
وعد الإمام بن حجر سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة ، وذكر أنه الكبيرة الحادية والثلاثون ، وقال : وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله بقلب سليم ، وهذه الكبائر يذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر ذنوب البدن وذلك لعظم مفسدتها ، وسوء أثرها ودوامه .
أقسام سوء الظن :
وسوء الظن ينقسم إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما :
1- سوء الظن بالله : وهو أبلغ في الذنب من اليأس والقنوط ( وكلاهما كبيرة ) وذلك لأنه يأس وقنوط وزيادة ، لتجويزه على الله تعالى أشياء لا تليق بكرمه وجوده .
2- سوء الظن بالمسلمين : وهو أيضاً كبيرة من كبائر الذنوب ، وذلك أن من حكم بشر على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره ، وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه ، بل وإطالة اللسان في عرضه ، وكل هذه مهلكات موبقات ، وكل من رأيته سيئ الظن بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه وسوء طويته ، فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه ، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه .
والظن مذموم في كثير من الأمور ، قال تعالى : [ وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ] ( يونس 36 ) . وعن سعيد بن المسيب قال : كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً ، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
يقول الشاعر :
فـلا تـظـنـن بـربـك ظـن سـوء
فــإن الله أولــى بــالـجـمـيـل
ولا تـظـنـن بنفـسـك قـط خـيراً
فـكـيـف بـظـالـم جـان خجـول
وظـن بـنـفـسـك السـوءَ تجـدها
كـذلـك خـيـرهـا كـالمستـحـيل
ومـا بـك مـن تـقـىً فيـها وخـير
فـتـلـك مـواهـب الـرب الجـليل
ولـيـس لـهـا ولا مـنـهـا ولكن
مـن الـرحـمـن فاشكـر للـدليـل
مضار سوء الظن :
ومن مضار سوء الظن :
1- يؤدي إلى غضب الله وسخطه .
2- دليل على فساد النية وسوء الطوية .
3- خلق من أخلاق المنافقين .
4- يولد الشحناء والبغضاء بين الناس .
5- مفتاح للعواقب الوخيمة والأعمال السيئة .
6- يورث الذل والهوان على الله ثم على الناس .
7- دليل ضعف الإيمان .
8- دليل على عدم الثقة بالنفس .
مضار الشك :
وللشك مضار ومخاطر نذكر منها :
1- الشك يضعف الإيمان بالله عز وجل وبالملائكة والكتاب والنبيين وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .
2- يدخل الوسواس على القلب فلا يجعله يثبت على يقين .
3- الريب والشك والوسواس آفات نفسية تجعل الثقة مهزوزة بي أفراد المجتمع .